سورة الواقعة - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)}
(أفرأيتم ما تحرثون) ه من الطعام، أي: تبذرون حبه وتعملون في أرضه {ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} تنبتونه وتردونه نباتاً، يرف وينمي إلى أن يبلغ الغاية.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم: زرعت، وليقل: حرثت» قال أبو هريرة: أرأيتم إلى قوله: {أَفَرَءَيْتُم...} الآية. والحطام: من حطم، كالفتات والجذاذ من فت وجذ: وهو ما صار هشيماً وتحطم {فَظَلْتُمْ} وقرئ بالكسر (فظللتم) على الأصل {تَفَكَّهُونَ} تعجبون.
وعن الحسن رضي الله عنه: تندمون على تعبكم فيه وإنفاقكم عليه. أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم بذلك من أجلها. وقرئ: {تفكنون} ومنه الحديث: «مثل العالم كمثل الحمة يأيتها البعدآء ويتركها القرباء فبيناهم إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم وبقي قوم يتفكنون» أي: يتندمون {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)} لملزمون غرامة ما أنفقنا. أومهلكون لهلاك رزقنا، من الغرام: وهو الهلاك {بَلْ نَحْنُ} قوم {مَحْرُومُونَ} محارفون محدودون، لا حظ لنا ولا بخت لنا؛ ولو كنا مجدودين، لما جرى علينا هذا. وقرئ: {أئنا}.


{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)}
{المآء الذى تَشْرَبُونَ} يريد: الماء العذب الصالح للشرب. و{المزن} السحاب: الواحدة مزنة. وقيل: هو السحاب الأبيض خاصة، وهو أعذب ماء {أُجَاجاً} ملحاً زعاقاً لا يقدر على شربه.
فإن قلت: لم أدخلت اللام على جواب (لو) في قوله: {لَجَعَلْنَاهُ حطاما} [الواقعة: 65] ونزعت منه ههنا؟ قلت: إنّ (لو) لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط، ولم تكن مخلصة للشرط كإن ولا عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقاً من حيث إفادتها في مضموني جملتيها أنّ الثاني امتنع لامتناع الأوّل افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علماً على هذا التعلق، فزيدت هذه اللام لتكون علماً على ذلك، فإذا حذفت بعد ما صارت علماً مشهوراً مكانه، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفاً ومأنوساً به: لم يبال بإسقاطه عن اللفظ، استغناء بمعرفة السامع. ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤبة أنه كان يقول: خير، لمن قال له: كيف أصبحت؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه. وتساوي حالي حذفه وإثباته لشهرة أمره. وناهيك بقول أوس:
حَتى إذَا الْكلاَّبُ قَالَ لَهَا *** كَالْيَوْمِ مَطْلُوباً وَلاَ طَلَبَا
وحذفه (لم أر) فإذن حذفها اختصار لفظي وهي ثابتة في المعنى، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما؛ على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ونائب عنه. ويجوز أن يقال: إنّ هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب، للدلالة على أن أمر المطعوم مقدّم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب، من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمطعوم. ألا ترى أنك إنما تسقى ضيفك بعد أن تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء:
إذَا سُقِيَتْ ضُيُوفُ النَّاسِ مَحْضاً *** سَقَوْا أَضْيَافَهُمْ شَبَماً زَلاَلاَ
وسقى بعض العرب فقال: أنا لا أشرب إلا على ثميلة؛ ولهذا قدّمت آية المطعوم على آية المشروب.


{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)}
{تُورُونَ} تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر، ويسمون الأعلى: الزند، والأسفل: الزندة؛ شبهوهما بالفحل والطروقة {شَجَرَتَهَآ} التي منها الزناد {تَذْكِرَةً} تذكيراً لنار جهنهم، حيث علقنا بها أسباب المعايش كلها، وعممنا بالحاجة إليها البلوى لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما أوعدوا به. أو جعلناها تذكرة وأنموذجاً من جهنم، لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزأ من حرّ جهنم» {ومتاعا} ومنفعة {لّلْمُقْوِينَ} للذين ينزلون القواء وهي القفر. أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام. يقال: أقويت من أيام، أي لم آكل شيئاً {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ} فأحدث التسبيح بذكر اسم ربك، أو أراد بالاسم: الذكر، أي: بذكر ربك. و{العظيم} صفة للمضاف أو للمضاف إليه. والمعنى: أنه لما ذكر ما دل على قدرته وإنعامه على عباده قال: فأحدث التسبيح وهو أن يقول: سبحان الله، إمّا تنزيهاً له عما يقول الظالمون الذين يجحدون وحدانيته ويكفرون نعمته، وإما تعجباً من أمرهم في غمط آلائه وأياديه الظاهرة، وإما شكراً لله على النعم التي عدّها ونبه عليها.

1 | 2 | 3 | 4